الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الأمان وهي للاسم المؤمن»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[7] - «حضرة الأمان وهي للاسم المؤمن»

معطي الأمان المؤمن الرب الذي *** ما زال يدعوه الورى بالمؤمن‏

فهو العليم بحقه وبحقنا *** وبما له منا وما للممكن‏

«و لهذا الاسم أيضا»

إذا كان الأمان لكل خائف *** فقد حاز المشاهد والمواقف‏

وآتاه المنزه كل شي‏ء *** على كتب وأشباه المعارف‏

فيصبح عارفا لا يعتريه *** قصور في الهبات وفي العوارف‏

ولو لا غيرة الرحمن فينا *** لا ثبت الأمان لكل عارف‏

ولكني سترت لكون ربي *** يريد الستر في حق المكاشف‏

وهي لعبد المؤمن فإن كل حضرة لها عبد كما لها اسم إلهي فأول حضرة تكلمنا فيها هي لعبد الله ويتلوها عبد ربه لا عبد الرب فإنه ما أتى هذا الاسم في كلام الله إلا مضافا ثم عبد الرحمن ثم عبد الملك ثم عبد القدوس ثم عبد السلام ثم عبد المؤمن وله هذه الحضرة وتحققت بهذه العبودية بعد دخولي هذا الطريق بسنة أو سنتين تحققا لم ينله في علمي أحد في زماني غيري ولا ابتلي فيه أحد ما ابتليت فيه فقطعته بحيث إنه ما فاتني منه شي‏ء وصفا لي الجو ولم يحل بيني وبين خبر السماء وعصمني الله من التفكر في الله فلم أعرفه إلا من قوله وخبره وشهوده وبقي فكري معطلا في هذه الحضرة وشكرني فكري على ذلك وقال لي الفكر الحمد لله الذي عصمني بك عن التصرف والتعب فيما لا ينبغي لي أن أتصرف فيه فصرفته في الاعتبار وبايعني على أني لا أصرفه إلا في الشغل الذي خلق له متى صرفته فأجبته إلى ذلك فما قصرت في حق قواي كلها حيث ما تعديت بها ما خلقت له وحصل لها الأمان من جهتنا في ذلك فأرجو أنها تشكرني عند الله وأعني القوي الروحانية التي خلق الله فينا

[إن الخبر الإلهي من عند الله قد يسمى صحفا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا أو زبور]

واعلم أن هذه الحضرة ما لها في الكون سلطان إلا في الأخبار الإلهية وهي على قسمين عند من دخل إلى هذه الحضرة وتحقق بها القسم الواحد الخبر الإلهي الآتي من عند الله المسمى صحفا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا أو زبور أو كل خبر أخبر به عن الله ملك أو رسول بشري أو كلم الله به بشرا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ هذا الذي عليه أهل الايمان وأهل الله والقسم الآخر يقول به طائفة من أهل الله أكابر في كل خبر في الكون من كل قائل وأصحاب هذا القسم يحتاجون إلى حضور دائم وعلم بمواقع الأخبار وأعني بالعلم العلم بمواقع الأخبار وهو أنهم يعرفون الخطاب الوارد على لسان قائل ما ممن له نطق في الوجود أين موقعه من العالم أو من الحق فيبرزون له آذانا منهم واعية لا يسمعونه إلا بتلك الآذان فيتلقونه ويطلبون به متعلقة حتى ينزلوه عليه ولا يتعدوه به وهذا لا يقدر عليه إلا من حصر أعيان الموجودات أعني أعيان المراتب لا أعيان الأشخاص فيلحقون ذلك الخبر بمرتبته فهم في تعب ومشقة فإن المتكلم مستريح في كلامه وهذا متعوب في سماعه ذلك الكلام فإنه لا يأخذه إلا من الله فينظر من يراد به فيوصله إلى محله فيكون ممن أدى الأمانة إلى أهلها ولهذا كان بعضهم يسد أذنيه بالقطن حتى لا يسمع كلام العالم ولله رجال هان عليهم مثل هذا فبنفس ما يسمعون الخطاب من الله تقوم معهم مرتبة هذا الخطاب فينزلوه فيها من غير مشقة والحمد لله الذي رزقنا الراحة في هذا المقام فإنه كشف لطيف وذلك أن الخطاب الإلهي العام في السنة القائلين من جميع الموجودات مرتبة ذلك القول معه يصحبه فإنه قول إلهي في نفس الأمر وإن كان لا يعلمه إلا القليل فعند ما يسمعه الكامل من رجال الله تعالى يشهد مع‏

سماعه مرتبته فيجمع بين السماع وشهود الرتبة فيلحقه بها عن كشف من غير مشقة ولقد رأينا جماعة من أهل الله يتعبون في هذا المقام يطلب المناسبات بين الأخبار وبين المراتب حتى يعثروا عليها وحينئذ يلحقوا ذلك الخبر بأهله فتفوتهم أخبار إلهية كثيرة وأما إعطاء هذه الحضرة الأمان فليس ذلك إلا للمتحققين بالخوف فلا تزال المراتب تنظر إلى الأخبار التي ترد على ألسنة القائلين وتعلم أنها لها وتعلم أن الآخذين بها هم السامعون وإن السامعين قد يأخذونها على غير المعنى الذي قصد بها فيلحقونها بغير مراتبها فتلك المرتبة التي ألحقوها بها تنكرها ولا تقبلها ومرتبتها تعرفها وقد حيل بينها وبينها بسوء فهم السامع فإذا علموا من السامع أنه على صحة السمع والصدق فيه وأنه لا يتعدى بالخطاب مرتبته كانت المرتبة في أمان من جهة هذا السامع فيما هو لها فتعلم إن حقها يصل إليها فهي معه مستريحة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل سامع بهذه المثابة فلهذا للسامع أجر الأمان وهو أجر عظيم في الإلهيات فيهزأ الإنسان في كلامه ويسخر ويكفر ويقصد به ما لم يوضع له وهذا السامع الكامل يأخذه من حيث عينه لا من حيث قصد المتكلم به فإنه ما كل متكلم من المخلوقين عالم بما تكلم به من حيث هو خطاب حق فيتكلم به من حيث قصده ويأخذه السامع الكامل من حيث رتبته في الوجود فقد أعطى هذا السامع الأمان للجانبين الجانب الواحد الحاقة برتبته والجانب الآخر ما حصل لمن قصد به المتكلم به من الأمان من حصوله عنده من جهة هذا السامع الكامل فإنه في الزمن الواحد يكون له سامعان مثلا الواحد هذا الذي ذكرناه والآخر على النقيض منه ما يفهم منه إلا ما قصده المتكلم المخلوق فيلحقه بهذه الرتبة في الوقت الذي يأخذه عنها السامع الكامل فهي تحت وجل من هذا السامع الناقص التابع للمتكلم وفي أمان من هذا السامع الكامل فلا والله ما يستوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ ما قلناه أُولُوا الْأَلْبابِ الغواصون على درر الكلام‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!