الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


91. الموقف الواحد والتسعون

قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50].

أمر الله تعالى هو كلمته الكلية، وهو الصورة الرحمانية التي استوى بها على العرش، فهي في العرش واحدة كما قال﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾.

يعني كلمة واحدة،  جامعة لجميع الحروف والكلمات،  لأنها السارية في كل حرف وكلمة. ثم لما تنزلت هذه الكلمة إلى الكرسي صارت كلمتين، بمعنى ذات صفتين متقابلتين مزدوجتين، وهما المكنى عنها بالقدمين، أعني الصفتين المتقابلتين: حق وخلق، خبر وحكم، وظهرت الزوجية، بعد أن كانت الكلمة واحدة في العرش، إذ الكرسي زوج للعرش. ومن الكرسي ظهر التعدد والمقابلة في كل الأشياء، حتى في الأسماء الإلهية، قابض، وباسط، ومعطٍ، ومانع، ومحي ومميت... والمسمّى واحد، كما كان حسن وقبيح، وطاعة ومعصية، وخير وشرّ، وصحّة وفساد، وحق وباطل. وقبل الكرسي ليس إلاَّ شيء واحد كلّه حق، وحسن وخير، فأصل القدمين عبارة عن الأسماء المتضادة المخصوصة بالذات. وأسماء الذات المتضادات لها آثار في المخلوقات، فقد يراد بالقدمين: هما معاً، الصفات الذاتية المتضادة وآثارها. وقد تخص المتضادات، من أسماء الأفعال،  لأن الصفات الذاتية فوق أسماء الأفعال. وقد ورد في خبر، ردّه علماء الظاهر ووسموه بالوضع، حيث أنهم ما وجدوا له تأويلاً حتى تقبله عقولهم، وقبله السادة العارفون ب الله وهو:

«رأيت ربّي في صورة شاب أمرد له وفرة، وعلى وجهه فراش من ذهب، وفي رجليه نعلان من ذهب»


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!