الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


81. الموقف الواحد والثمانون

ورد في الحديث الصحيح: ((يَنْزِلُ رَبُّنا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ))..

نزوله تعالى كناية عن تجليه وظهوره، فإن التجليات كلّها تنزلاته تعالى من سماء الأحدية الصرفة إلى أرض الكثرة. وسماء الدنيا كناية عن مظهر الصورة الرحمانية التي يظهر بها الكامل، وهو فرد واحد في كلّ زمان لا يتعدد، وهي الصفة الجامعة لصفات الجمال كلها، من رحمة ولطفن وستر وحلم، وجود وعطاء، ونحو ذلك. وهذا التجلي في هذا الوقت المخصوص، هو للعباد والزهاد والمتوجهين بالأعمال، ولهذ كني عنه بسماء الدنيا لأنها قبلة الداعين. وأما العارفون؛ فتجليه لهم دائم لا يختص بزمان ولا مكان. إذ الحق تعالى متجلّ من الأزل، إلى الأبد، لا يزيد تجليه ول ينقص، ولا يتغير. وهو تعالى على ما هو عليه قبل نسبة التجلي إليه.

والاختلاف والتعدد والحدوث المنسوب إلى التجلي، إما هو للمتجلّي له بحسب القوابل والاستعدادات؛ ففي كل آن يحصل للمستعد تجل بحسب استعداده وقابليته. فالماء حقيقة واحدة تختلف صوره باختلاف القوالب، من أنواع النباتات والفواكه والزروع والأواني، وإنَّما خص هذا التجلّي بالثلث الآخر، لأنه وقت قيام المجتتهدين، وزمان توجه المستغفرين، والتائبين والداعين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!