الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


307. الموقف السابع بعد الثلاثمائة

قد سأل بعض الإخوان عن قول القسطلاني، عند قول البخاري في غزوة حنين: ((قسم في الناس المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً. وأنه (صلى الله عليه وسلم) حرم الأنصار من الغنيمة كلّها ولم يقسمها فيهم لفرارهم)).

فأجبت: هو بعيد جداً، وإنما المراد من قول البخاري: أنه (صلى الله عليه وسلم) لم ينفلهم من الخمس كما نفل المؤلفة قلوبهم من طلقاء قريش وغيرهم من قبائل العرب. كيف يتصور أنه (صلى الله عليه وسلم) ما قسم الغنيمة بين الجيش كلّه، وفي صحيح مسلم في هذه الغزوة نفسها: وقسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ غنائمهم بين المسلمين! وكانت على ما ذكره ابن اسحاق عن الزهري وغيره: أربع وعشرون ألفاً من الإبل، و الغنم أكثر من أربعين ألفاً، والسبي ستة آلاف رأس. والذين أعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قريش والأعراب محصورون، وم أعطاهم من الإبل محصور وال عدد لا يبلغ الخُمس. وثبت أنَّه (صلى الله عليه وسلم) ـ أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، وهو أربعة الأخماس الباقية، بعد إعطاء ما ذكر من الخمس، قال الزهر ي وهو أصحّ الأقاويل عندنا وثبت أن الغنيمة لمّ قسمت كانت سهماتهم لكلّ رجل أربعة من الإبل، وأربعون شاة وفي البخاري: أن الناس اجتمعوا إليه (صلى الله عليه وسلم) وصاروا يقولون: يارسول الله!! قسم علينا، حتى ألجأؤوه إلى سمرة، فاختطفت رداءه. فقا ل: ((ردوا علي ردائي أيها الناس، فو الله لو كان لي شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم ما لقيتموني بخيلاً ولا جباناً ول كذوباً)).

وفي البخاري أيضاً، في ذكر اعتماره (صلى الله عليه وسلم) وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنايم حنين، وفيه لما جاءه وفد ه وازن قام في الناس وقال: ((إن إخوانكم جاؤنا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم)).

فقال الناس: ((طبنا لك يارسول الله، فقال: إنَّا لا ندري من أذن منكم ممّن لم يأذن. فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)).

وفيه: أنه قال لوفد هوازن: ((معي من ترون، وإنّ أحب الحديث إليَّ أصدقه. فاختاروا إحدى الطائفتين: إمَّا السبي وإمَّا المال)).

وفي رواية لغير البخاري: أنه قال لهم: ((قد وقعت الغنائم موقعها)).

وفي رواية أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لوفد هوازن: ((ما كان لي ولعبد المطلب فهو لكم))، فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ. وما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليحرمهم من الأموال ويعطيهم من السبي. وقال النووي في باب التنفيل، من شرح مسلم، في الباب جواز استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هنا، وفي غنائم حنين. فه ذا كله صريح في أنه (صلى الله عليه وسلم) قسم الغنائم على هالكوجهها. والذي أعطاه للمؤلفة قلوبهم هو من الخمس.

وكذا قو لالقسطلاني في قوله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الغزوة، والقصة: ((رحم الله أخي موسى، قد أُوذي أكثر من هذا فصبر))، إن الذي أُوذي به موسى هو قول بني إسرائيل فيه: أنه آدر. فهذا أبعد وأبعد. فإنَّ غذاية موسى (عليه السلام) بهذا القول ليست بأكثر من نسبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الجور و لحيف. وأنه ما أراد بقسمته وجه الله. وإنما المراد بالأكثر هو رميه (عليه السلام) بالزنا، كما هو مذكور في قصة قارون، وبقتل أخيه هارون، ونحو ذلك، فهذ هو الأكثر إذاية، لا قولهم أنه آدر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!