الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


288. الموقف الثامن والثمانون بعد المائتين

سألني بعض الإخوان، عن قول سيدنا في الفتوحات، في باب الرسالة البشرية: «ولا تشترط العصمة في حقّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلاَّ فيما يبلغه عن الله. فإنّ عصم من غير هذا فمن مقام آخر، وهو أن يخاطب العباد المرسل إليهم بالتأسّي به.... الخ، يريد (رضي الله عنه) : أنَّ العصمة وإن كانت ثابتة للرسول مطلقاً، فثبوته من منزلين مختلفين، لا من منزل الرسالة و مقامها فقط، فمن حيث أنه رسول مبلّغ م أمره ربه به، لا يثبت للرسول العصمة إلاَّ فيما يبلّغه عن الله فقط، وثبوت العصمة له فيما عدا ذلك ليس من منزل الرسالة ومقامها، ولكن من مقام ومنزل آخر، وهو أمر الحق تعالى ـ، المرسل إليهم، بالتأسي بالرسول والافتداء به، فيما لم يختص به. و الحق تعالى إنما بعث الرسل عليه الصلاة والسلام ليعلّموا الخلق بأقوالهم وأفعالهم. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 33/21].

قال: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾[آل عمران: 31].

فالعصمة ثابتة لكل رسول مطلقاً، لكل من مقامين، ولا تتصوّر عصمة الرسول فيما يبلّغه عن الله فقط، ولا يكون معصوماً في غير ذلك. فإنَّ العصمة في غير ذلك. فإنَّ العصمة هي المنع ممّا نهى الله عنه. ونهيه تعالى لا يعلم إلاَّ من الرسول، فإنه لا حكم إلاَّ للشارع. فا حذر أن تتوهّم أن سيدنا لا يقول بعصمة الرسل عليهم الصلاة والسلام مطلقاً. ولكن أهل هذه الطريقة العليّة، لما أطلعهم الحق تعالى ـ على حقائق الأشياء، وعرّفهم نسبة كلّ شيء في العالم، فهم يثبتون كلّ شيء من مقامه وبابه، لا يخلطون الحقائق، كما يفعل من ليس له علمهم ولا ذوقهم. »


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!