Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


268. الموقف : الثامن والستون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾[هود: 11/ 46].

اعلم: أنَّ الحق تعالى أمر عباده أن يسألوه ماهم محتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، وأخبر سيد السادات: «أنَّ الدعاء مخ العبادة»، كما أخبر أنه تعالى «يحب الملحّين في الدعاء»، وورد في الترغيب في الدعاء آثار كثيرة، وهذا مع التفويض فيما يسأل، ورد الاختيار إليه تعالى فيما هو الأصلح وا لأنفع. فانظر إلى هذا الوعظ البليغ والتأديب القوي و الزجر الشديد لأول الرسل إلى أهل الأرض نوح (عليه السلام) مع تأدُّبه في سؤاله كما أخبر عنه تعالى وهو قوله: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾[هود: 11/ 45].

 وليس فوق هذا الأدب أدب في السؤال في الظاهر، لولا أنه (صلى الله عليه وسلم) ما فوّض وجزم في سؤاله نجاة ابنه، ولولا مافي قوله: ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾.

من رائحة الحكم على الحق بالتقييد فغفل عليه الصلاة والسلام عن الإطلاق الذاتي، الذي للحق تعالى بالأصالة في ذلك الحين، وظنَّ أنَّ ولده داخل في أهله الذين وعده الحق تعالى بنجاتهم، ونسي قوله: ﴿إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾[هود: 11/40، والمؤمنون: 23/27]

يعني بالهلاك من أهلك، وكلُّ هذا لشّدة الهول، وعظم الأمر ومعاينة الغضب الإلهي، فالإنسان يسأل من الله تعالى ما يظنه خيراً له، ويستعيذُّ به مما يظنه شراً له، والظنُّ لا يغني من الحق شيئاً، ولربما كان الأمر بالعكس.

﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً﴾ فتستعيذون بالله وتسألونه رفعة ﴿وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لو علمتهم ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً﴾ فترغبون فيه وتسألون الله حصوله ﴿ وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 2/216].لو علمتم كفاية.

ولذا قال بعض الحكماء: ربّ منحة في طيها محنة، ورب نقمة في طيها نعمة، ول يكون الدعاء عبادة إلاَّ مع التفويض للحق تعالى العالم بعواقب الأشياء وبواطنها، فالعالم الحاضر مع الحق تعالى لا يسأله شيئاً خاصاً معيناً على القطع أنه خير له إلاَّ إذا أعلمه الحق تعالى بخيريته وأطلعه على عينه الثابتة، وأما غير هذا فلا يسأل الحق تعالى شيئاً معيناً خاصاً، يظنه خيراً له إلاَّ مفوضاً له تعالى، فإنه العالم على الإطلاق بما هو الخير والمصلحة. قال بعض ساداتنا: كلّ داع غير مفوّض فهو مستدرج. فيسأل العبد الخير من حيث يعلمه تعالى خيراً، والسعادة من حيث يعلمها الحق سعادة، ويستعيذ بالله من الشقاء والبلاء، ويسأل دفعه من حيث يعلم تعالى ذلك كذلك، فلا يسأل السعادة والخير فيما يتخيله ويظنه من أسبابها على القطع والجزم، ولا يستعيذ من الشرّ والشقاء فيما يظنه من الأسباب، فإن من أسمائه تعالى اللطيف، وهو الذي يخفي الأشياء في أضدادها، كما أخفى ليوسف (عليه السلام) الملك في الرق و السجن وأنواع الشر والبلايا ظاهراً، فقال لذلك: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ﴾[يوسف: 12/100].

سمعت و الدي رحمه الله تعالى يقول: مرض بعض مشايخ القوم، فدخل عليه مريد له يعوده، فقال المريد: يا سيدي عافاك الله، فسكت الشيخ. فأعاد المريد قوله ثانياً، وثالثاً.فقال الشيخ: يا ولدي ما أنا فيه هو العافية، محمد (صلى الله عليه وسلم) سأل الله العافية وقال قرب وفاته: ((مازالت أكلة خيبر تعاهدني، والآن وجدت انقطاع أبهري)) . أبو بكر سأل الله العافية ومات مسموماً من أكلة من الشاة التي سمّتها اليهودية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم). عمر سأل الله العافية ومات مطعوناً، عثمان سأل الله العافية ومات مذبوحاً، علي سأل الله العافية ومات مقتولاً، فهؤلاء سألوا الله العافية من حيث يعلمها هو تعالى عافية، لا من حيث يعلمونها هم عافية، فأجاب الحق تعالى سؤالهم العافية.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!