Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


218. الموقف الثامن عشر بعد المائتين

قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[يوسف: 12/90].

أخبر تعالى ، أن من وصل إلى المرتبة الوسطى من مراتب التقوى، وحصل عليها بأن صار يتقي بالحق تعالى في كل فعل وترك، وورد وصدر، بمعنى أنه تعالى هو وقاية هذا المتقي، فلم ينسب لنفسه شيئاً ممّا يصدر عنه، من طاعة ومعصية، وحسن وقبيح، لا على طريق الجبرية، ولا على طريق الكسبيّة، لأنه شاهد الفاعل الحقيق، والمصدر الكلّي، فشاهد نفسه من حيث مخلوقيّته كسائر الجمادات، فكما لا ينسب العقلاء إلى الجماد فعلاً أو تركاً إلاَّ على جهة المجاز، فكذلك هو في شهوده هذا. وأمَّ النسبة التي أثبتها الشارع في قوله: افعل أو اترك، أو فعلت أو تركت، فهو ل ينفيها، بل يسلّمها مع الجهل بحكمتها، ومع هذا الشهود، وهذه المعرفة الحاصلين لهذ المتقي فإنه يصبر على أداء المأمورات الشرعية، وترك المنهيات الوضعية، فلا يتعدى الحدود الشرعية، بل لا يقربها، لأنه من حيث هذا الشهود صار من الصنف المخاطبين بقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾[البقرة: 2/187].

يعني الحدود الشرعية، كما أن قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾[البقرة: 2/229].

يعني الحدود الشرعية، خطاب لصنف آخر. فالصنف الأول يعاقبون على مقاربة الحدود، والصنف الثاني لا يعاقبون على المقاربة، وإنما يعاقبون على اعتداء الحدود ومجاوزتها، لأن كل من علت رتبته، وأزلفت منزلته يعاقب على ما لا يعاقب عليه من هو أسفل مرتبة وأبعد منزلة، كما هو في الشاهد في خاصة الملك ورعيته، بل صاحب هذه المرتبة، إن كان من الصابرين فهو أشد حذراً وخوفاً وتوقياً وقياماً بالأمر والنهي الشرعيين، من الذي ليس له هذا الشهود من العباد والزهاد عناية من الحق تعالى به.

وهذا المقام والشهود وسط، وفوقه مقامات كما قيل:

وهذا مقام في الوصول وفوقه           مقامات أقوام على قدرهم قدري

وبعد الوصول إلى هذا المقام تتميّز السعداء من الأشقياء، فمن اتقى وصبر، كما قال: إنه من يتق ويصبر على أداء الأوامر واجتناب النواهي؛ فقد صار من المحسنين:

﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[يوسف: 12/ 90].

﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[التوبة: 91]. فضلاً منه تعالى ومنّة، وأمَّا من يتق ولا يصبر على أداء الأوامر واجتناب النواهي، ويتعدى الحدود الشرعية فهو من الأشقياء المحرومين، و الزنادقة الملحدين المعنيين بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾[فصلت: 41/ 40].

وهو ممّن أضله الله على علم، من حيث علمهم بمرتبة الأتقياء بالله تعالى وعلى جهل، من حيث جهلهم بحكمة الحكيم العليم تعالى فيما شرّعه من الأمر والنهي، وفيما رتّبه من الحدود والزواجر، عرفوا شيئاً وفاتهم أشياء، فتخيّلو وظنوا أن الأوضاع الشرعية خاصة بمن لم يصل إلى مقامهم، فقيل لهم: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ﴾[فصلت: 41/ 23].

((نعوذ بالله من الحور بعد الكور)) .

وأما من جاوز هذه المرتبة وعلاها فقد جاوز الصراط وتخلص فلا رجوع له، ولذ قال العارف، «ما رجع من رجع إلاَّ من الطريق، ولو وصلوا ما رجعوا».


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!