The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الجميل حضرة الجمال»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[56] - «الجميل حضرة الجمال»

إن الجميل الذي الإحسان شيمته *** هو الذي تعرف الأكوان قيمته‏

إذا يراه الذي فينا يحببه *** يرى الوجود فيبدي فيه حكمته‏

[إن الله أمرنا أن تزين له‏]

يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الجميل‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم للرجل الذي قال له يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي حسنا فقال له صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله جميل يحب الجمال خرجه مسلم في صحيحه في كتاب الايمان‏

وفي حديث عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الله أولى من تجمل له‏

ومن هذه الحضرة أضاف الله الزينة إلى الله وأمرنا أن تتزين له فقال خُذُوا زِينَتَكُمْ وهي زينة الله عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يريد وقت مناجاته وهي قرة عين محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكل مؤمن لما فيها من الشهود فإن الله في قبلة المصلي وقد قال اعبد الله كأنك تراه‏

ولا شك أن الجمال محبوب لذاته فإذا انضاف إليه جمال الزينة فهو جمال على جمال كنور على نور فتكون محبة على محبة فمن أحب الله لجماله وليس جماله إلا ما يشهده من جمال العالم فإنه أوجده على صورته فمن أحب العالم لجماله فإنما أحب الله وليس للحق منزه ولا مجلى إلا العالم وهنا سر نبوي إلهي خصصت به من حضرة النبوة مع كوني لست بنبي وإني لوارث‏

إني خصصت بسر ليس يعلمه *** إلا أنا والذي في الشرع نتبعه‏

ذاك النبي رسول الله خير فتى *** لله نتبعه فيما يشرعه‏

فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا فإنه تعالى يحب الجمال وما ثم جميل إلا هو فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ثم جعل عز وجل في الجمال المطلق الساري في العالم جمالا عرضيا مقيدا يفضل آحاد العالم فيه بعضه على بعض بين جميل وأجمل وراعى الحق ذلك على ما أخبر نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال المؤمن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب الذي خرجه مسلم في صحيحه‏

إن الله جميل‏

فهو أولى أن تحبه إذ وقد أخبرت عن نفسك إنك تحب الجمال وأن الله يحب الجمال فإذا تجملت لربك أحبك وما تتجمل له إلا باتباعي فاتباعي زينتك هذا قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله‏

أي تزينوا بزينتي يحببكم الله فإن الله يحب الجمال فأعذر الله المحبين بهذا الخبر لأن المحب لا يرى محبوبه إلا أجمل العالم في عينه فما أحب إلا ما هو جمال عنده لا بد من حكم ذلك أ لا ترى إلى قوله أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فما رأى سوء العمل حسنا وإنما رأى الزينة التي زين له بها فإذا كان يوم القيامة ورأى قبح العمل فر منه فيقال له هذا الذي كنت تحبه وتتعشق به وتهواه فيقول المؤمن لم يكن حين أحببته بهذه الصورة ولا بهذه الحلية أين الزينة التي كانت عليه وحببته إلي ترد عليه فإني ما تعلقت إلا بالزينة لا به لكن لما كان محلها كان حبي له بحكم التبع فيقول الله لهم صدق عبدي لو لا الزينة ما استحسنه فردوا عليه زينته فيبدل الله سوءه حسنا فيرجع حبه فيه إليه ويتعلق به فما قال الحق هذا القول أعني زين له سوء عمله إلا ليلقن عبده الحجة إذا كان فطنا فلا ينبغي للمؤمن الكيس أن يهمل شيئا من كلام الله ولا كلام المبلغ عن الله فإن الله تعالى يقول فيه وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ وقد ذم قوما اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً ولَعِباً وهم في هذا الزمان أصحاب السماع أهل الدف والمزمار نعوذ بالله من الخذلان‏

ما الدين بالدف والمزمار واللعب *** لكنما الدين بالقرآن والأدب‏

لما سمعت كتاب الله حركني *** ذاك السماع وأدناني من الحجب‏

حتى شهدت الذي لا عين تبصره *** إلا الذي شاهد الأنوار في الكتب‏

هو الذي أنزل القرآن في خلدي *** يوم الخميس بلا كد ولا نصب‏

إلا عناية ربي حين أرسلها *** إلى فؤادي فنادتني على كثب‏

أنت الإمام الذي ترجى شفاعته *** في المذنبين وأنت السر في النصب‏

لولاك ما عبدوا نجما ولا شجرا *** ولا أتوا ما أتوا به من القرب‏

فإن كلام المبلغ عن الله ما جاء به إلا رحمة بالسامع وهو إن كان فطنا كان له وإن كان حمارا كان عليه ولما كان الجمال يهاب لذاته والحق لا يهاب شيئا وقد وصفه العالم صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بأنه جميل والهيبة تجعل صاحبها أن يترك أمورا كان في نفسه في وقت حديث النفس أن يفعلها مع محبوبه عند الاجتماع به واللقاء فتمنعه هيبة الجمال مما حدثته به نفسه وقد وصف الله نفسه بالحياء من عبده إذا لقيه فقام الحياء لله مقام الهيبة في المخلوق فما اقتضى من حال العبد أن يؤاخذه به الله ولما لقيه استحيى منه فترك مؤاخذته ولذلك قال فيمن أخذ منهم إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فأرسل الحجاب بينهم وبينه فلم يروه فلو كانت الرؤية لكان الحياء القائم بالحق مقام الجمال في الخلق فالحكم واحد والعلة تختلف فحقق هذه الحضرة وتزين وتجمل تارة بنعتك من ذلة وافتقار وخشوع وخضوع وسجود وركوع وتارة بنعته عز وجل من كرم ولطف ورأفة وتجاوز وعفو وصفح ومغفرة وغير ذلك مما هو لله ومن زينة الله التي ما حرمها الله على عباده فإذا كنت بهذه المثابة أحبك الله لما جملك به من هذه النعوت وهو الحب الذي ما فيه منة لأن الجمال استدعاه كالمغفرة للتائب والمغفرة لغير التائب فالمغفرة للتائب ما فيها منة فإن التوبة من العبد استدعت المغفرة من الله والمغفرة لغير التائب منة محضة قال تعالى في مغفرته الواجبة فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وغير المتقي والتائب يطلب رحمة الله ومغفرته من عين المنة فتجمل إن أردت أن ترتفع عنك منة الله من هذا الوجه الخاص ويكفيك حكم الامتنان بما وفقت إليه من التجمل بزينة الله فإن ذلك إنما كان برحمة الله كما قال فَبِما رَحْمَةٍ من الله لِنْتَ لَهُمْ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!