The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الإجابة»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[44] - «حضرة الإجابة»

كن مجيبا إذا الإله دعاكا *** وسميعا لما دعاك مطيعا

واحفظ السر لا تكن يا وليي *** للذي حصكم بذاك مذيعا

فإذا ما دعاك في حق شخص *** كن مجيبا لما دعاك سميعا

لا تكن كالذي أتاه حريصا *** فإذا ما استفاد كان مضيعا

كل من ضاعت الأمور لديه *** إنه قد أتى حديثا شنيعا

[إن صاحب حضرة الإجابة أبدا لا يزال منفعلا]

يدعى صاحبها عبد المجيب وتسمى حضرة الانفعال فإن صاحب هذه الحضرة أبدا لا يزال منفعلا وهو قولهم في المقولات أن ينفعل وهذا حكم ما يثبت عقلا وإنما يثبت شرعا فلا يقبل إلا بصفة الايمان وبنوره يظهر وبعينه يدرك قال تعالى وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ يعني منكم ولا أقرب من نسبة الانفعال فإن الخلق منفعل بالذات والحق منفعل هنا عن منفعل فإنه مجيب عن سؤال ودعاء أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ وهو الموجب للاجابة إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي إذا دعوتهم وما دعاهم إليه إلا بلسان الشرع فما دعاهم إلا بهم فإنه تلبس بالرسول فقال من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله فقرر أنه ما جاء منه إلا به فما فارقه ولا شاهد الخلق المبعوث إليهم إلا الرسول فظاهره خلق وباطنه حق كما قال في البيعة إِنَّما يُبايِعُونَ الله وما في الكون إلا فاعل ومنفعل فالفاعل حق وهو قوله والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ والفاعل خلق وهو قوله فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ واعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ والمنفعل خلق وهو معلوم وخلق في حق وهو الإجابة وحق في خلق وهو ما انطوت عليه العقائد في الله من أنه كذا وكذا وخلق في خلق وهو ما تفعله الهمم في المخلوقات من حركات وسكون واجتماع وافتراق‏

[أن الإجابة على نوعين‏]

ثم اعلم أن الإجابة على نوعين إجابة امتثال وهي إجابة الخلق لما دعاه إليه الحق وإجابة امتنان وهي إجابة الحق لما دعاه إليه الخلق فإجابة الخلق معقولة وإجابة الحق منقولة لكونه تعالى أخبر بها عن نفسه وأما اتصافه بالقرب في الإجابة فهو اتصافه بأنه أقرب إلى الإنسان من حَبْلِ الْوَرِيدِ فشبه قربه من عبده قرب الإنسان من نفسه إذا دعا نفسه لأمر ما تفعله فتفعله فما بين الدعاء والإجابة الذي هو السماع زمان بل زمان الدعاء زمان الإجابة فقرب الحق من إجابة عبده قرب العبد من إجابة نفسه إذا دعاها ثم ما يدعوها إليه يشبه في الحال ما يدعو العبد ربه إليه في حاجة مخصوصة فقد يفعل له ذلك وقد لا يفعل كذلك دعاء العبد نفسه إلى أمر ما قد تفعل ذلك الأمر الذي دعاها إليه وقد لا تفعل لأمر عارض يعرض له وإنما وقع هذا الشبه لكونه مخلوقا على الصورة وهو أنه وصف نفسه في أشياء بالتردد وهذا معنى التوقف في الإجابة فيما دعا الحق نفسه إليه فيما يفعله في هذا العبد وقد ثبت هذا في قبضه نسمة

المؤمن فإن المؤمن يكره الموت والله يكره مساءة المؤمن‏

فقال عن نفسه سبحانه ما ترددت في شي‏ء أنا فاعله ترددي‏

فأثبت لنفسه التردد في أشياء ثم جعل المفاضلة في التردد الإلهي فقال تعالى ترددي في قبض نسمة المؤمن الحديث فهذا مثل من يدعو نفسه لأمر ما ثم يتردد فيه حتى يكون منه أحد ما يتردد فيه والدعاء على نوعين دعاء بلسان نطق وقول ودعاء بلسان حال فدعاء القول يكون من الحق ومن الخلق ودعاء الحال يكون من الخلق ولا يكون من الحق إلا بوجه بعيد

[الإجابة للدعاء على نوعين‏]

والإجابة للدعاء بلسان الحال على نوعين إجابة امتنان على الداعي وإجابة امتنان على المدعو فأما امتنانه على الداعي فقضاء حاجته التي دعاه فيها وامتنانه على المدعو فإنه بها يظهر سلطانه بقضاء حاجته فيما دعاه إليه وللمخلوق في قبوله ما يظهر فيه الاقتدار الإلهي رائحة امتنان ولهذه القوة الموجودة من من من على رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالإسلام فقال تعالى تأنيسا له يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ثم أمره أن يقول لهم فقال يا محمد قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فتلك المنة الواقعة منهم إنما هي على الله لا على رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنهم ما انقادوا إلا إلى الله لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه وإنما دعاهم إلى الله فقوله لهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في إيمانكم بما جئت به فإنه مما جئت به إن الهداية بيد الله يَهْدِي به من يَشاءُ من عِبادِهِ لا بيد المخلوق ثم إن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أبان عما ذكرناه من أن لهم رائحة في الامتنان أما والله لو شئتم أن تقولوا لقلتم وذكر نصرة الأنصار وكونهم أووه حين طرده قومه وأطاعوه حين عصوه قومه فأشبهوا فيما كان منهم بما قرره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من ذلك قوله تعالى لنبيه أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ ووَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ ووَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ ولما كانت النعم محبوبة لذاتها وكان الغالب حب المنعم حتى قالت طائفة إن شكر المنعم واجب عقلا جعل الله التحدث بالنعم شكرا فإذا سمع المحتاج ذكر المنعم مال إليه بالطبع وأحبه فأمره أن يتحدث بنعم الله عليه فقال وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ حتى يبلغ القاصي والداني وقال في الإنسان فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وأَمَّا السَّائِلَ يعني في العلم فَلا تَنْهَرْ ومن هذا الأمر ذكر أهل الله ما أنعم الله به عليهم من المعارف والعلم به والكرامات فإن النعم ظاهرة وباطنة وقد أسبغها على عباده كما قال وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً فهذا بعض ما يعطيه هذه الحضرة من الانفعال والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!