Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


243. الموقف الثالث والأربعون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾[الأعلى: 87/1].

التسبيح التنزيه، والتنزيه البعيد، أي باعد نسبة اسم ربّك إلى ذاته عن مماثلة نسبة أسماء المحدثات إليها ومشابهتها إياها، والاسم هنا عام،  أريد به خاص، وهو ما يوهم لفظه ومفهومه تشبيهاً وتمثيلاً. وذلك أن أسماءه تعالى قسمان:

قسم يدركه العقل، وهو ما يقتضي الكمال والنزاهة، فهو يدل على التنزي، بدلالة من الدلالات، ولا يكون الأمر بتنزيه هذا الاسم، فإنه حاصل، وتحصيل الحاصل محال.

وقسم لا يدرك العقل له كمالاً، ويتوهم أن التنزيه عنه هو الكما ل. ولولا أنَّ الشارع سماه ما سمى العقل الحق تعالى به ولا قبله في حقه. وذلك كالضاحك والفارح، والمتعجب والمحب، والمتردّد والناسي، والمستحي والماكر، والمستهزئ والمستوفي والنازل، ونحو هذا ممّا ورد في الكتاب والسنة. فهذا القسم هو المأمور بتسبيحه وتنزيهه، فليست نسبة هذا القسم إلى ذاته تعالى كنسبته إلى غيره من ذوات المحدثات، لأنَّ ذاته تعالى غير معلومة لنا، فالنسبة إليها مجهولة لنا. وفي ضمن الأمر بتنزيه الاسم، تنزيه الذات المسماة بهذا الاسم، وهي الأسماء الشرعية، ولكن من جهتين. فالاسم ينّزه من حيث النسبة عن المشابهة و المماثلة، لنسبته للمخلوقات حيث كان اللفظ واحداً، و المفهوم واحداً، لكن النسبة مجهولة مختلفة بل شك، وأما تنزيه الذات المسماة به ذا الاسم فهو تنزيه التنزيه، وهو ضد التنزيه العقلي، فإنَّ العقل بتنزيهه أحال إطلاق هذه الأسماء عليه تعالى ـ، تنزيهاً له تعالى ـ، وما قبلها إلاَّ بضروب من التأويل والمجاز، فأمر تعالى في كتبه وعلى ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام بتنزيهه عن هذا التنزيه العقلي، وبإثباته له، كما سمّى نفسه ووصفها على المفهوم منها في اللسان العربي الذي خاطبنا الحق تعالى به، وأرسل به رسوله، ليبين لنا ما نزل علينا، فإنه من المحال أن يخاطبن الحق تعالى بما لا نفهم عنه، ولكن لما جهلنا الذات العلية جهلنا نسبة هذه الأسماء إليها فقط. ألا ترى الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين نزلت عليه هذه الآيات التي كثر الخوض فيها والقيل والقال ما نقل عن أحد منهم أنه استشكلها وسأل عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وم ذلك إلاَّ بأن الأمر على ما ذكرناه. فهو مذهب السلف الصالح. ولكن الكثير من المتكلمين ما فهموا مذهب السلف، وقالوا عنهم إنهم يقولون لا نعلم ما خاطبنا الحق به، ونكل علم ذلك إلى الله تعالى وإلى رسوله، بمعنى أنهم لا يفهمون معاني الأسماء التي سمّي الحق تعالى نفسه بها من أسماء المحدثات، وهذا محال. فتلك الأسماء أسماء الرب حقيقة لا مجازاً، وهو الرب الأعلى، وهو التعين الأول منشأ جميع الأسماء المشار إليها بقوله:

﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾[النجم: 53/ 42].

رب محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو أول التعينات، وحضرة الجمع الجامعة لجميع الأرباب، أي لجميع الأسماء الربّية، التي تربي المخلوقات. فالرب المضاف إلى ضمير محمد (صلى الله عليه وسلم) أعلى الأرباب وأجمعها، ومع كون هذه الأسماء والنعوت التي تطلق على المحدثات أثبتها تعالى لنفسه حقيقة، فهي من أسماء الأفعال لا نطلق منها ونسميه به تعالى إلاَّ ما أطلق الشارع فنحن معه حيث ما كان فم قال قلنا، وما سكت سكتنا، فلا نقول يا قاتل وقد قال: ﴿وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾[الأنفال: 8/17].

ولا يا معذب وقد قال: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ﴾[التوبة: 9/14].

ولا يا مضل وقد قال: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَاءُ﴾[الرعد: 13/27].

﴿يُضِلُّ مَن يَشَاءُ﴾[فاطر: 35/8].

ولا يا مستهزئ، وقد قال: ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِئُ﴾[البقرة: 2/ 15].

ولا يا ماكر، وقد قال: ﴿وَمَكَرَ اللّهُ﴾[آل عمران: 3/54].

ولا يا رامي، وقد قال: ﴿وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾[الأنفال: 48/17].

ولا يا متقرب، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): ((تقربت منه ذراعاً))

ولا يا مهرول، وقد قال : ((أتيته هرولة)).

إلى غير هذا مِمَّا ورد في الكتاب والسنة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!